هل يوجد كلام , بعد هذا الكلام .. في وصفك يا درّة الشام ؟؟

https://i0.wp.com/up.arab-x.com/Jun11/i6V27333.jpg

إنها دمشق

( كما يصفها الشاعر والأديب العراقي مظفر النواب )


شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة،

غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.‏‏‏‏‏


إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي

ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على

أبوابها.

barada river


‏‏‏‏‏

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله،

شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏‏


من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،”أنى تهطلي خيرك لي “

بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت

بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏

chapel of ananias in damascus

إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين

ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين

وشهوانيين….


رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة،

أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها،

straight street in damascus

ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها

ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏


إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح

لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي

الدين بن عربي‏‏‏ ،هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته

حياً من أحيائها فغنى لها ” كل ما لا يؤنث لا يعول عليه”


‏‏‏‏‏

إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي

على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ

ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في

المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏


دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب

موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي

رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على

طريقة دمشق.


‏‏

إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركت عشاقها

خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين

ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏


لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏

لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق

القارات الخمس .

6781-damascus-chamista

لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة، ومن المداخن

ما يكفي “لتشحير” وجه الكون.‏‏‏‏‏


ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو

نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏


لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و”الشحاحيط “

المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.‏‏‏‏‏


لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما

يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏


لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا

نكازاكي وهيروشيما‏‏‏‏‏


لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل

الحروب القادمة.


‏‏‏‏‏

لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل

ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏

http://abeerk.files.wordpress.com/2009/10/christine_damascus2.jpg

لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز،

الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏

دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في

أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبالة”، وفي ظلمة “حجرها الأسود” يتسلق كشاشي

الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من “المهاجرين”.‏‏‏‏‏

دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة

أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب

نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان

فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ….‏‏‏‏‏

https://i0.wp.com/lh6.ggpht.com/_PxAlN1P1AOM/TCybw2CS6vI/AAAAAAAAAZw/--93NSlIbL4/DSC_0356.JPG

دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا

أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏ وإن أضعت طريق الجامع الأموي ،

ستدلك عليه ” كنيسة السيدة “

6089-hevonen-trim

لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها

ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو

تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو

متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏

https://i0.wp.com/farm1.static.flickr.com/41/80435970_d8cd7c1a80_b.jpg

فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة” الفرس”، وتقول

جملة واحدة للجميع (إنها دمشق )

syria-thaura-2-resized

جرعة زائدة على الفيسبوك ..


3 responses to “هل يوجد كلام , بعد هذا الكلام .. في وصفك يا درّة الشام ؟؟

  1. لا أقول إلا أنه موضوع جميل وفكرة الموضوع جميلة، ولكن با ليتك تنقحه من بعض الأخطاء الطامة، مثل 15اله وتقديم يوحنا المعمدان (يحيى) عليه السلام رأسه لترضى دمشق، فهو قدمه لله، ولبس لدمشق، كما حبذا لو تخفف من (التقديس) الذي قد يصل التأليه، فالأمر أولا وآخير لله، وليس لدمشق.
    مع الشكر والتقدير.

  2. شكرا لك أخ زكي لملاحظتك , وانا بكل تأكيد لم أقصد كل كلمة فيه لأنني لم أشأ أن أعدل على كلام الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب, هي تعبر عنه وعن مشاعره وكما يقال ناقل الكفر ليس بكافر .. وقد تم التنويه في بداية المقالة
    أنا أحببتها بالمجمل ووجدت فيها وصفاً جميلاً , ونقلتها مع أنه ليس من عادتي أن أضع نقلاً في مدونتي,
    بكل الأحوال ملاحظتك جديرة , .
    أهلا وسهلا شرفت بمرورك
    مرورك دائما له طعم مميز ففيه قيمة معلوماتية وفائدة علمية

  3. أشكرك جدا، وأؤكد بأني لا أستحق هذا الثناء، فهذا واجبي، والغريب في الأمر أني لم أنتبه في بداية الموضوع أنها قصيدة لمظفر النواب، نعم هي قصيدة معبرة جدا في جوهرها.

اترك رداً على جرعة زائدة إلغاء الرد